الجمال الحقيقى
تروى قصة عن فتاة صغيرة تدعى سالى (اسم مستعار)، كانت تنظر لأمها وتقول لها، كم أنتِ جميلة يا أمى، لابد أنك كنتِ أجمل نساء الدنيا فى يوم من الايام، بل إنك مازلت أجمل الجميلات، لولا........، ثم نظرت البنت ليدين الام (المحروقتين). فهمت الام رسالة البنت الصغيرة، فقررت أن تحكى القصة فقالت لها، سالى وانتِ صغيرة أندفعت ألتقطك من فراشك. حين اشتعلت النيران فى بيتنا القديم، فى الواقع يا سالى لا أعلم كيف استطعت أن أنجو بكِ من موت محقق، فأحترقت يدايٌ، لكنى كلما أنظر اليهما فإننى أحمد الله لأننى أرى فيهم وجهك الجميل، انهمرت سالى فى البكاء وأمسكت يدى امها وأخذت تقبلهما وتقول مرة أخرى يا أمى أنتِ أجمل نساء الدنيا، وهاتين اليدين هما أجمل الايادى فى العالم.
لعلنا ننظر للجمال بمقاييس مختلفة، بل فى بعض الاحيان نرى ماهو قبيح جميلاً وما هو جميل قبيحاً.
أنواع الجمال
الجمال الضار
هناك نوع من الجمال لا يعود على صاحبه بالخير، بل ربما يسبب له ولغيره شراً عظيماً. فقد يدفع الجمال صاحبه – او صاحبته الى نوع من العجب والترفع والكبرياء، ولو نظرت حولك وجدت من هذا النوع كثيرا أو قد تكون أنت منهم. وقد يجلب الجمال الشر الى صاحبه، اذ يجعله مطمعاً للمتربصين به، ونرى مثالا لذلك الطاووس فريشه الاخضر المذهب بنقوشه الرائعة، جعله مطمع الصائدين، وفى الوقت الذى يختال فيه ناشراً ذيله الجميل فى ضوء الشمس، يكون قد وضع حجاباً كبيراً على عينه، فلا يرى المتربصين به. وقد ينصرف المرء للعناية بجمال منظره، حتى يصير عبداً لهذا الجمال. يعيش للعناية به والحفاظ عليه، ويحاول جذب الانتباه ولفت الانظار اليه. ويحاول اظهار جماله بين الناس، ولكن ان غاب الناس عنه، اختفى جماله امام نفسه. وقد يكون الجمال ضاراً حين يكون استغلالياً، مثل الزهور الصيادة، هذه الزهور الخداعة والتى تفرز سائلاً سكرياً، يجتذب إليها الحشرات، التى لا تكاد تستمتع بهذا الطعام، حتى تكون قد نامت بفعل هذا السائل الحلو والمُخدر فى ذات الوقت، حينئذ تطبق عليها أوراق الزهرة وتمتص منها رحيق الحياة.
الجمال الناقص
فى متحف اللوفر بباريس، يوجد تمثال رائع (أفروديت) ربة الجمال عند الاغريق. وهو تمثال جميل رقيق، أراد صانعه (براكسيتيل) أن يجسد فيه جمال الخلقة وروعة التكوين، ولكن هذا التمثال عثر عليه أحد الرهبان فى جزيرة ميلوس، وكان لأسف الشديد محطم الذراعين. وكثيراً ما يكون الجمال ناقصاً، فقد يكون الانسان جميلا فى شكله لكنه عاجزا ، ضعيف البنية، مكدود الجسد، رغم جماله الظاهرى. او يكون جميل لكنه ثقيل الظل وسمج الاخلاق، او قد يكون جميلا لكنه خائر القوة ، محطم الارادة ، هابط العزيمة ، قليل النخوة والمروءة .. أيضا جماله ناقص.
الجمال الميت
إنه جمال التماثيل الرائعة، فهى حقاً غاية فى العظمة والروعة والجمال. لكنها ميتة وبلا روح. قيل أن مايكل أنجلو وقف أمام أحد تماثيله يتحدث اليه، فقد كان التمثال آيه فى الدقة والكمال؛ ولكنه لم ينطق، فصفعه مايكل صارخاً تكلم أيها التمثال، واصطدمت يد الفنان بالحجر البارد، لقد نسى مايكل أنجلو أن الجمال الذى ابدعه فى كتلة الحجر العظيمة كان جمالا بلا روح. ومن الناس من لهم جمالاً ظاهرياً لكنهم كالصخر لا قلباً لهم ولا روحاً، ان جمالهم أبكم بلا لسان ميت بلا إحساس.
الجمال الحقيقى
فهو ذلك الجمال الذى ينبع من داخل النفس ويشع من الوجه، ولا يستطيع الجسد أن يحتويه، إذ هو يفيض ويتألق خارج جدران النفس. الجمال الحقيقى هو هذا الجوهرالخالد، العلامة التى يرسمها الله فى نفوس عارفيه. فما أعظم الفارق بين أغلى الزهور الصناعية، وأصغر زهرة حقيقية فالزهرة الحقيقية التى تمتد أصولها فى طين الارض لها من الحياة والنضرة ما يجعلها أوفر جمالا من الورود الصناعية، فجوهر الجمال أن يكون جمالاً حياً ممتلئاً من رحيق الحياة وتسرى فى كيانه تلك الحرارة التى تربطه بالله، فلقد قتلت الخطية الانسان حين قطعت علاقته بالله وجعلته كتلة باردة من حجر أصم، لا دفء ولا حياة فيه. فأصبح جماله مشوهاً وناقصاً وميتاً بلا حياة. ولكى يسترد الانسان جماله؛ يحتاج الى قلب جديد. هذا التجديد عملية إلهية يصنعها الله فى قلب التائب حين يخلقه من جديد ويهبه روحا جديداً. مثل نيقوديموس (يوحنا 3) . اصرخ لله تائبا ليُعطيك قلباً جديدا. وتكون ممتلئ من الحياة والجمال الحقيقى.
.